اختلفت الأقوال في عمر النبي صلى الله عليه وسلم وعمر خديجة حين زواجهما، فقيل: كان خمسا وعشرين.

وقيل: سبعا وعشرين.

وقيل: ثلاثين.

وقيل: غير ذلك، وأما عمر خديجة فكذلك تضاربت الأقوال بين خمس وثلاثين وأربعين وغير ذلك، لما سمعت خديجة رضي الله عنها بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأمانته و أخلاقه الكريمة، فقد جاء في رواية: أن أخت خديجة قد استكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريكه، فلما قضوا السفر بقي لهم عليها شيء، فجعل شريكه يأتيهم ويتقاضاهم، ويقول لمحمد (صلى الله عليه وسلم): انطلق.

فيقول: اذهب أنت، فإني أستحيي.

فقالت مرة -وقد أتاهم شريكه-: أين محمد لا يجيء معك؟ قال: قد قلت له، فزعم أنه يستحيي، فذكرت ذلك لأختها خديجة، فقالت: ما رأيت رجلا قط أشد حياء، ولا أعف ولا.
.
.
.
.
.
من محمد (صلى الله عليه وسلم).

فوقع في نفس أختها خديجة، فبعثت إليه، فقالت: ائت أبي فاخطب إليه.

فقال: أبوك رجل كثير المال وهو لا يفعل.

قالت: انطلق فالقه وكلمه، ثم أنا أكفيك.

وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي ثيب.


 لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا "الأمين"؛ لما تكامل فيه من خصال الخير، قال له عمه أبو طالب: "يا ابن أخي، أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وألحت علينا سنون منكرة، وليس لنا مادة ولا تجارة، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيرانها، فيتجرون لها في مالها، ويصيبون منافع، فلو جئتها فوضعت نفسك عليها لأسرعت إليك، وفضلتك على غيرك، لما يبلغها عنك من طهارتك، وإن كنت لأكره أن تأتي الشام، وأخاف عليك من يهود، ولكن لا نجد من ذلك بدا".

وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام، فتكون عيرها كعامة عير قريش، وكانت تستأجر الرجال وتدفع إليهم المال مضاربة، وبلغ خديجة ما كان من صدق حديث النبي صلى الله عليه وسلم وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، فأرسلته في تجارتها، فخرج مع غلامها ميسرة حتى قدم الشام، وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدم الشام، فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب يقال له: نسطورا، فاطلع الراهب إلى ميسرة -وكان يعرفه-؛ فقال: "يا ميسرة، من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة؟"، فقال ميسرة: "رجل من قريش من أهل الحرم".

فقال له الراهب: "ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي".

ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته -يعني: تجارته- التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلا إلى مكة ومعه ميسرة؛ فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به بأضعف أو قريبا، وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وما رأى من شأن النبي صلى الله عليه وسلم، فعرضت نفسها عليه رضي الله عنها، وكانت أوسط نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا، فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه عمه حمزة حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت أول امرأة تزوجها، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت رضي الله عنها.